مركز الإحتجاز القسري تزمامارت
الأستاذ أحمد المرزوقي
إسم “تزمامارت” أصبح ذا شهرة دولية، تناقلته العديد من التقارير الدولية وسلطت عليه الأضواء في وسائل الاعلام كواحد من ضمن أسوأ مراكز الاختفاء القسري عبر العالم . يوجد مركز الاعتقال السري السابق تزمامارت داخل ثكنة للجيش، في قرية صغيرة، توجد بين مدينة ميدلت و الراشيدية، على بعد 20 كلم من مدينة الريش، في اتجاه كرامة. استعمل المعتقل السري لأغراض الاحتجاز ما بين 8 غشت 1973 و15 سبتمبر 1991. فبعد الافراج عن العسكريين المحكومين في قضية انقلاب الصخيرات، بسنتين سجناً، تم اختطاف الباقين في السجن المركزي بالقنيطرة ((58 عسكرياً) إلى المعتقل السري، تزمامارت، ليلة 07 غشت 1973. وقد أشرفت على عملية الترحيل هاته سَرية خاصة من الدرك الملكي. وظل المحتجزون بهذا المركز إلى غاية الافراج عمن بقي منهم على قيد الحياة، وعددهم 28 شخصاً، يوم 15 سبتمبر 1991، بعد قضائهم 18 سنة وبضعة أسابيع. وقد رافق هؤلاء المحتجزين العسكريين ، لفترة معينة، داخل المعتقل السري مجموعة من الأفارقة، قدًر محمد الرايس عددَهم ب 17 شخصاً. تضاربت الآراء حول جنسياتهم وأسباب احتجازهم. بالإضافة إلى أولائك الأفارقة قضى الإخوة بوريكات بنفس المعتقل من 1981 إلى 1991.
تجب الاشارة إلى أن عديد من الفعاليات والمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية وكذا عائلات المختفين قسرياً في تازمامارت كان لهم الفضل في إخراج الخبر من السر إلى العلن. وقد شكلت سنة 1989 منعطفاَ حاسماَ في خروج تازمامارت من السر إلى العلن، فقد جرى تصويرها في هذه السنة صدفة، عبر طائرة تابعة لإحدى القنوات الفرنسية، حيث كانت تقوم بانجاز روبورتاج في المنطقة… سنة بعد ذلك بادر النائب البرلماني، محمد بنسعيد آيت يدر، عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، إلى طرح سؤال، حول مصير العسكريين المختفين من سجن القنيطرة، فاجأ السؤال الجميع… منذ ذلك الوقت تحول معتقل تازمامارت من السر إلى العلن. خلال الحقبة الاستعمارية، كان الهاجس الأمني والاستراتيجي الحربي هو سيد السلطات الإستعمارية، حيت تم استثمار الموقع لاستنبات مواقع للمراقبة. وبالفعل تم إحداث مركز للإستعلامات العسكرية بمنطقة الريش، القريبة. وبعد الاستقلال، ظل الهاجس الأمني والعسكري وراء إحداث ثكنة عسكرية، في قرية تازمامارت المتواجدة على تخوم الصحراء، لدى كل من السلطات العسكرية الفرنسية والمغربية. تشكل الثكنة موقعاً حصينا و نقطة مراقبة بحكم قربها من الحدود الجزائرية-المغربية.
تزمامارت، التي تنحدر غالبية ساكنتها من قبائل آيت سغروشن الأمازيغية تأبى أن تُختزل في المعتقل السري السابق؛ فهي ذاكرة مكان وساكنة ترفض وصم الجحيم الذي لا زالت لاصقة بأهالي قرية تزمامارت. فهي ذاكرة مكان منتقى بعناية لأداء أدوارَ مختلفة، فهي محاطة بأقليات عرقية تفتقد السيطرة على المجال ككل. شُيدت بها أول الأمر ثكنة عسكرية من خيام، قبل أن يتم الانتقال إلى الثكنة الجديدة التي أُضيفت لها، لاحقاً، بنايتان، ستشكلان مركز الاعتقال السري (تزمامارت)، اللتان ضمت مجموعة من العسكريين المحاكمين ، على إثر المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين: (أحداث الصخيرات يوم 10 تموز/ يوليوز 1971، وأحداث طائرة البوينغ الملكية يوم 16 آب/ غشت 1972). ويشهد أحمد المرزوقي، نزيل تزمامارت، الزنزانة رقم 10 بأن تزمامارت هي بمثابة دهليز طويل، مظلم وضيق، مسلح من الأعلى بقضبان الحديد، اصطفت الزنازين على خطين متوازيين بمقاييس متشابهة، الواحدة مقابل الأخرى، (باستثناء الزنزانة رقم 15، التي توجد في الوسط، قبالة مدخل البناية، طولها ضعف طول باقي الزنازن). 15 زنزانة في الجهة المقابلة لمدخل البناية و 14 من الجهة المعاكسة. كل زنزانة كانت عبارة عن علبة ضيقة من الاسمنت المسلح، طولها 3 أمتار وعرضها متران ونصف، أما علوها فيقرب من 4 أمتار. تسبح ليل نهار في ليل مطبق، اللهم إلا من خلال نور رمادي باهت، كان يتسلل في عز النهار، من ثقب في السقف فينعكس على أرضية الزنزانة على شكل دائرة صغيرة شاحبة لا تكاد تُرى فيها أصابع اليدين، إلا بصعوبة شديدة.
وفي شهادة ساكن الزنزانة رقم 10، باسم أصدقائه الناجين والراحلين، يقول: “مضى ما يقرب عن عقدين من الزمن والسلطات المغربية تُنكر بشدة وجود معتقل للموت البطيء على أرضها في تخوم الصحراء يسمى تزمامارت. في دياجيرها تلك الربوع الظلامية الرهيبة، دُفن أحياء ثمانية وخمسون ضابطاً وضابط صف لضلوعهم عن غير قصد في محاولتين انقلابيتين فاشلتين (أحداث الصخيرات يوم 10 تموز/ يوليوز 1971، وأحداث طائرة البوينغ الملكية يوم 16 آب/ غشت 1972). وبالفعل، وبعد اعتقال مرير وفي ظروف مروعة جهنمية دامت ما يفوق ثمانية وعشرين سنة، ألقت تزمامارت أخيراً ما بجوفها، فقذفت بثمانية وعشرين إلى الخارج وهم نصف أحياء واحتفظت في أحشاء رمالها باثنين وثلاثين ضحية.